دمشــق23 كانون أول, 2024

الأمن السيبراني في أولويات الأمن القومي الإسرائيلي

تاريخ النشر:
2024-08-14
92 مشاهدة

ارتبط الإنسان في التكنولوجيا بشكل أكبر مع ترسيخ الطابع الرأسمالي الصناعي، شكل هذا الترابط فرصًا كبيرة للتطوير وتسهيل الحياة بكل مجالاتها، السياسية والاقتصادية، والاجتماعية، والعسكرية والأمنية. ومع بروز هذه الأهمية المتزايدة بدأت تظهر مخاطر جديدة تتعلق بالهجمات الإلكترونية. يظهر أول هجوم إلكتروني في التاريخ عام 1834، وهو الهجوم الذي استهدف سرقة المعلومات المتعلقة بالسوق المالية الفرنسية، وذلك عن طريق الوصول إلى نظام التلغراف الفرنسي، ومع زيادة التطور والدخول الثورة الرقمية بشكل متزايد ومتشابك حياة الإنسان على المستوى الفردي والجماعي، ظهرت أواخر القرن العشرين الجرائم الإلكترونية، وكانت البدايات تتعلق بفصل الأفراد والمؤسسات عن بياناتها (,Wolf 2024)، ومع مرور الوقت تراكمت وتزايدت أهمية الأمن الإلكتروني لتصل إلى إدراجها ضمن الأمن القومي للدول، ومن أهم الدول التي أعطت أهمية كبيرة للأمن السيبراني كانت إسرائيل.

تنطلق إسرائيل من أهمية التفوق التكنولوجي لحماية أمنها، وهذا الاعتقاد جاء بشكل واضح منذ قيام إسرائيل وتشكيل المفاهيم الأمنية لها. أعطى بن غوريون أهمية كبيرة للتفوق التكنولوجي لإسرائيل، واستمرت المؤسسة والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بالسير على نفس النهج بشكل متراكم، لحماية إسرائيل ومهاجمة أعدائها (ענתבי، 2022)، ولكن مع هذا السعي الدؤوب إلى التفوق لا تزال إسرائيل عرضة وبشكل متزايد للهجمات السيبرانية. ويُذكر هنا أن إسرائيل كانت من أكثر الدول في العالم التي تعرضت للهجمات السيبرانية عام 2023، بما مجموعه 1480 هجومًا سيبرانيًا (Jeffay، 2024)،  يتبادر السؤال هنا ما العلاقة المحتملة بين كون إسرائيل دولة متفوقة تكنولوجيًا، وبين التأثير والتعرض للهجمات السيبرانية؟

للإجابة عن هذا السؤال تظهر مجموعة من الأسئلة، التي ترتبط الاجابة عنها بالوصول إلى نتيجة محتملة تجيب عن السؤال السابق. من الأهمية بمكان معرفة أنواع التهديدات السيبرانية العالمية، فالتفوق المنشود على مستوى الأمن الإسرائيلي يرتبط بضمان الأمن ضمن التحديات الحديثة، فالإجابة عن سؤال ما أهم التحديات العالمية ترتبط بسعي إسرائيل في الحفاظ على الأمن السيبراني، إضافة إلى الإجابة عن سؤال ما أهم الأدوات الإسرائيلية المعروفة في ضمان هذا التفوق ضمن التحديات العالمية؟ ولماذا تظهر المعركة عام 2021 كإحدى أهم المعارك التي أثرت في فكرة الأمن السيبراني على المستوى العالمي؟ وكيف انعكست الحرب الجارية منذ تشرين الأول/كتوبر 2023 على هذا القطاع؟

يرجح الافتراض في هذا النطاق بأنه كلما زاد استخدام وانخراط الدولة بالتكنولوجيا، شكلت الهجمات السيبرانية اداة تأثير أكثر فعالية. تندمج إسرائيل على المستوى التكنولوجي بشكل واسع على كل المستويات، هذا الاندماج بشقيه المحلي والدولي يرجح كونه نقطة ضعف مؤثرة في حالة تعرض إسرائيل لهجوم سيبراني.

تظهر ضمن هذه المحاولة في البحث عن إجابات مجموعة من الصعوبات الأساسية، مثل الإدراك بعدم القدرة على معرفة الأدوات المستعملة أو الأدوات الاستراتيجية بسبب الطبيعة السرية للحروب عمومًا والحروب السيبرانية خصوصًا. يشار هنا إلى نقاط ضعف في العمل بإطار الأمن السيبراني، والأمن السيبراني الإسرائيلي، وهذا لعدة أسباب، وهي عدم وجود إعلان واضح حول الأمن القومي الإسرائيلي السيبراني، إضافة إلى عدم القدرة على الوصول إلى الأدوات المحتملة في إطار الدفاع والهجوم السيبراني، هذه الأدوات التي من الممكن أن تكون صاحبة تأثير أكبر ولكنها تندرج في إطار السرية، وذلك بسبب طبيعة العمل في هذا المجال التي تعتمد على التسلل والاختراق، فما جمع في هذا المقال البحثي يحاول وضع أهم ما سمح بنشره في هذا الإطار.

أولًا: الأمن السيبراني العالمي

يشتمل تعريف الأمن السيبراني على مجموعة واسعة من السياقات، وفي خضم تزايد التهديدات السيبرانية بوتيرة سريعة. تندرج السياقات المتعددة للأمن السيبراني ضمن أمن الشبكات، أمان التطبيقات، أمن المعلومات، الأمن التشغيلي، والاستمرارية والتعافي من الكوارث، التوعية السيبرانية، والتنبؤ بالأخطار، هذه السياقات في ظل تزايد كبير في حجم التحديات السيبرانية في العالم (Kaspersky, 2024).

تزداد التهديدات السيبرانية في العالم بشكل سنوي، وهو ما يدفع إلى زيادة الإنفاق على الأمن السيبراني بشكل متوازٍ. ازداد عدد السجلات المخترقة بين عامَي 2018-2019 خلال الفترة نفسها من العامين إلى 112 بالمئة، ويقدر الإنفاق المتوقع على الأمن السيبراني عام 2026 ما يزيد على 260 مليار دولار (Kaspersky, 2024).

يندرج في إطار أنواع التهديدات السيبرانية العالمية ثلاث جوانب أساسية، بدوافع سياسية، وجنائية، وإرهابية. من ميزات التهديدات السيبرانية أنها تحتاج في الأساس إلى المعرفة، مما يعطي للأفراد والجماعات والدول والمنظمات أدوات سهلة نسبيًا للاستهداف، وتسعى كل فئة من الفئات إلى تحقيق أهدافها بناء على نوع التهديد، فهناك الجرائم الجنائية، والهجمات ذات دوافع سياسية، والهجمات ذات الدوافع الإرهابية (Kaspersky, 2024).

تصنف أنواع الهجمات عملياتيًا وفق مجموعة من الطرق التي تحقق الأهداف المرجوة للمهاجم، وهي البرامج الضارة، الحقن، التصيد، الهجوم على الـ WIFI، وهجوم قطع الخدمة، والبرمجيات الخبيثة، والحيل الرومنسية، Emotet. يقصد بالبرامج الضارة تلك البرامج المدرجة تحت العناوين التالية: الفيروسات، أحصنة طروادة، برامج التجسس، برامج الفدية، برامج الإعلانات المتسللة، شبكات الروبوتات، أما الحق أو SQL، فهو نوع من أنواع البرامج الضارة لسرقة البيانات، أما التصيد فهو استخدام الرسائل بالإيميل للاختراق، إضافة إلى طريقة الهجوم على الـ WIFI وتهدف هذه الطريقة لاعتراض الاتصالات، بخصوص قطع الخدمة فهي من اسمها تركز على عدم وصول الهدف إلى الخدمة المطلوبة، أما البرمجيات الخبيثة فهي البرمجيات صاحبة الهجمات العالمية، لقطع الخدمات على مستوى قطاعات عالمية مثل الذي حدث عام 2019، وعند التطرق إلى الحيل الرومانسية فهي استغلال التعارف للاختراق والابتزاز، ويقصد بـ Emotet الاختراق عن طريق استهداف كلمات المرور غير القوية للاختراق (Kaspersky, 2024).

ثانيًا: أهم الأدوات الإسرائيلية المحتملة للدفاع عن الأمن السيبراني

1- المصفوفة السيبرانية الوطنية

تطرح إسرائيل فكرة المصفوفة السيبرانية الوطنية لحماية الفضاء السيبراني المتزايد في أهميته، والذي يرتبط بمجموعة واسعة من المصالح الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية. مع مرور الوقت تُلاحظ أهمية التكنولوجيا بشكل كبير على حياة الإنسان، ومع الوصول إلى عصر الترابط التكنولوجي المرتبط بغالبية نواحي الحياة، برزت أهمية حماية هذا الفضاء من مجموعة واسعة من التحديات، وفي هذا الإطار قامت إسرائيل بتأسيس المصفوفة السيبرانية الوطنية، لحماية الفضاء الإلكتروني من أية هجمات ومخاطر محتملة تؤثر في الدولة والمواطن (מדינה ישראל, מערך הסייבר הלאומי).

تهدف المصفوفة السيبرانية الوطنية الإسرائيلية إلى تحقيق خمسة أهداف اساسية، وهي الدفاع، ومرونة الاقتصاد، القيادة والابتكار، والقوة الدولية، والاستراتيجيات والسياسة. وعلى مستوى الدفاع تحاول المصفوفة حماية الأمن السيبراني واكتشاف الأخطاء على مستوى الدولة، وبالتطرق إلى المرونة الاقتصادية فيقصد بتعزيز قدرة الاقتصاد والجمهور للدفاع والاستعداد، وذلك عن طريق توظيف المهرة وزيادة الوعي، وتندرج تحت القيادة والابتكار تعزيز رأس المال البشري وتشجيع البحث والابتكار، وتهدف أيضًا المصفوفة إلى ترقية دور إسرائيل على المستوى العالمي، بالتطوير الذاتي والتحالفات الدولية والعالمية، وأخيرًا الاستراتيجية والسياسة ويقصد بها العمل على تحقيق الاستراتيجية الإسرائيلية على المستوى المحلي والدولي وإنشاء سلطة مهنية مركزية في هذا الإطار(מדינה ישראל, מערך הסייבר הלאומי).

2- الوحدة 8200

الوحدة 8200 هي المسؤولة عن الأمن السيبراني في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، وتتجلى مهام الوحدة الأساسية في التفوق الاستخباراتي على المستويات الأمنية، والعسكرية، والسياسية. تشتمل مهام الوحدة 8200 على تطوير وتشغيل وسائل جمع وتحليل المعلومات، ورفع المعلومات للأجهزة التنفيذية المعنية، داخل الجيش وخارجه، وقد حازت الوحدة على تقدير عام 2013 من رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، تقديرًا لإنجازاتها. تقوم هذه الوحدة بجمع معلومات استخباراتية (SIGINT) وفك تشفير الشفرة. وتشير المنشورات العسكرية إلى هذه الوحدة باسم وحدة جمع المعلومات المركزية لفيلق الاستخبارات، ووحدة SIGINT الوطنية الإسرائيلية (ISNU).

تقوم هذه الوحدة الفريدة، إلى جانب وحدات أخرى، بحماية أنظمة الأسلحة الإسرائيلية من الهجمات السيبرانية والسماح لأنظمة الأسلحة الأكثر تقدمًا بالعمل في المناطق المحظورة على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)  (Egozi, 2019).

3- الوحدة لهابة 433

تعمل الوحدة 433 في الشرطة الإسرائيلية على كشف الجرائم الوطنية، والدولية، والفساد العام، وتحتوي على مجموعة من الاقسام. تتشكل الوحدة من ثمانية أقسام، وهي الوحدة الوطنية للتحقيق في الاحتيال، وحدة التحقيق في الجرائم الدولية، وحدة إنقاذ الاقتصاد الوطني، وحدة كشف وملاحقة لصوص السيارات، الوحدة 33، الوحدة السيبرانية، والوحدة 105. وتشكل هذه الأقسام ستة فرق عمل تخضع للجنة دائمة للتقييم والإشراف (משטרת ישראל. להב 433 היחידה מובילה מאבק כלל מערכתי לצמצום תופעות הפשיעה החמורה הארצית, הבינלאומית והשחיתות הציבורית)، ويظهر ضمن عمل الوحدة دورها البارز في الملاحقات الأمنية من بينها التجسس (ح 2024.6.21).

ثالثًا: معركة 2021

تشكل حالة التغيير الدولي نحو عالم متعدد الأقطاب ومتنافس عسكريًا بشكل كبير تحديًا كبيرًا للأمن الإسرائيلي عمومًا، كما في الأمن السيبراني الإسرائيلي خصوصًا. يؤثر التنافس العالمي بين القوى العظمى على منطقة الشرق الأوسط والصراع المتجدد نتيجة احتلال الأراضي الفلسطينية والعربية، وهو ما يجعل المنطقة بوابة مفتوحة للصراعات بالوكالة بين الأطراف الدولية المتنوعة، مما يسمح لأعداء إسرائيل بالتزود بتقنيات واسلحة وخبرات جديدة، تزيد التحدي والمخاطر على الأمن الإسرائيلي (ענתבי، 2022).

تظهر المعركة التي حدثت في أيار/مايو 2021 كأحد أهم الاختبارات لمنظومة الأمن السيبراني الإسرائيلي، واستخدمت في هذه المعركة أدوات سيبرانية جديدة. ظهرت التهديدات الجديدة بشكل فعال في معركة 2021، ومن بين هذه التهديدات كانت التكنولوجيا المتقدمة لدى الفواعل المعادية لإسرائيل من دول وغير دول، وفي المقابل استخدمت إسرائيل الذكاء الصناعي كإحدى أهم الوسائل في المعركة (ענתבי، 2022).

قامت إسرائيل في معركة 2021 بدمج الذكاء الاصطناعي مع سلاح الجو، فساهم في تحديد الأهداف بشكل فعال. أطلق على حرب 2021 حرب الذكاء الاصطناعي الأولى، وكان الأداء العملياتي المدمج بالذكاء الاصطناعي ذو تغطية واسعة من الإعلام الدولي، وإضافة إلى تحديد الأهداف، ودمجها بالقوات الجوية لتنفيذ الاغتيالات، قامت إسرائيل بتحسين القبة الحديدية واعتراضها عن طريق الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى تشغيل سرب من الطائرات بدون طيار عن طريق الذكاء الاصطناعي ومساهمتها بتحديد الأهداف (ענתבי، 2022).

رابعًا: حرب أكتوبر 2023

تخوض إسرائيل ومنذ السابع من أكتوبر 2023 حربًا متعددة الجبهات، ولا تقتصر هذه الجبهات على الأبعاد الجغرافية، فمن بين أهم الجبهات الدائرة الحرب السيبرانية المحتدمة (דניאל، 2024). تشهد إسرائيل ومنذ حرب السابع من أكتوبر 2023 زيادة كبيرة في الهجمات السيبرانية من إيران وحزب الله، وقد صرح عراب الدفاع السيبراني في إسرائيل غابي بورتنوي بأن الهجمات السيبرانية تضاعفت ثلاث مرات، ويشكل التعاون بين حزب الله وإيران خطرًا ملموسًا بالنسبة إلى إسرائيل، خصوصًا بعد هجوم مجموعة الأرز اللبنانية بالتعاون مع وزارة الاستخبارات الايرانية على مستشفى زيف في صفد. صحيح ان الهجوم لم يؤدِّ إلى تعطيل المستشفى، لكن استطاع المهاجمون سرقة معلومات مهمة وحساسة في هذا الهجوم (،WROBEL 2024).

بالرغم من التفوق الإسرائيلي بالتكنولوجيا عمومًا، كما بالفضاء السيبراني، فإن حرب السابع من أكتوبر تشير إلى مخاطر حقيقية في هذا المجال. حسب التقارير الإسرائيلية فإن الهجمات التي يقوم بها أعداء إسرائيل لا تحتاج إلى الكثير من الموارد المادية، ولكنها وبنفس الوقت تعطي تأثيرًا حقيقيًا، على الكثير من المستويات، فالهجمات تحاول التأثير في المجتمع الإسرائيلي، وتعزيز الانقسامات الداخلية في إسرائيل، وهذا ما يطلق عليه الخبراء التأثير العميق، هذا إضافة إلى الاستهداف والتسلل وسرقة المعلومات والتخريب، ويأتي وقع هذه الاستهدافات بشكل كبير بسبب الطابع “الديمقراطي” في إسرائيل، بالإضافة إلى الترابط الاقتصادي الذي يخدم الطابع الرأسمالي الليبرالي في الدولة (דניאל, 2024).

يبرز ضمن الحرب الدائرة ثلاثة أنواع من الاستهدافات: عمليات التجسس السيبرانية، والتلاعب الاجتماعي عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، والهجمات التخريبية. تعمل الجهات المعادية لإسرائيل خصوصًا إيران في الحرب على محاولة استخراج أكبر قدر ممكن من المعلومات عن طريق التجسس السيبراني، كما تظهر الإمكانيات المؤثرة على مستوى التأثير العميق في وسائل التواصل الاجتماعي، على المستوى العالمي، بالإضافة إلى استهداف المجتمع الإسرائيلي والتأثير فيه، بالإضافة إلى نشر مجموعة واسعة من الصور والفيديوهات التي تضر إسرائيل وتصنع رأيًا عام معاديًا لها، أخيرًا تحاول الجهات المعادية استهداف إسرائيل بمجموعة من العمليات التخريبية، ضد البنى التحتية الإسرائيلية، والتي تخلف ليس فقط أضرار مادية، بل أضرار تتعلق بعدم الثقة بالدولة لحماية مواطنيها خصوصًا عندما يلامس الاستهداف المواطن بشكل مباشر(דניאל، 2024).

خامسًا: تجليات عقيدة الأمن القومي الإسرائيلي على مستقبل الأمن السيبراني

إن التفوق التكنولوجي والتقني الإسرائيلي مرتبط بشكل مباشر بالأمن القومي الإسرائيلي، هذا الارتباط نابع من ضرورة التفوق النوعي ضمن الوطن العربي الذي يمتلك على المستوى الكمي تفوقًا كبيرًا. تطرح الأفكار داخل المجتمع الإسرائيلي لضمان هذا التفوق على المستوى السيبراني، لمواجهة التحديات المستقبلية التي يرجح زيادة مخاطرها بسبب استخلاص العبر من الأعداء، والتعلم المستمر لضرب إسرائيل، وفي هذا الإطار تظهر فكرة الدفاع الشامل متعدد الأبعاد، بجميع الجبهات ومنها الجبهة السيبرانية (דניאל ،2024).

ولتحقيق الدفاع الشامل على مستوى الأمن السيبراني، تبرز مجموعة من الخطوات العملية التي يفترض نجاعتها وتأثيرها الايجابي. إن التحديث المستمر لمنظومة الدفاع والهجوم هي من الخطوات العملية المهمة، وهذا يتطلب زيادة في الاستثمار في هذا القطاع، إضافة إلى زيادة التعاون بين الحكومة وحلفائها وبين القطاع الخاص وعمالقة التكنولوجيا (דניאל، 2024).

تطرح تجربة أستونيا كنموذج يحتذى به لإسرائيل، والتي ساهمت الهجمات الروسية السيبرانية إلى دفعها إلى تطوير دفاعاتها لتصبح رائدة بمجال الأمن السيبراني. هوجمت إستونيا سيبرانيًا عام 2007 بشكل مكثف وكبير، أدى هذا الهجوم إلى تعطيل 58 موقعًا إلكترونيًا دفعة واحدة، هذا الهجوم دفع استونيا إلى بذل مجهود حقيقي على مستوى الأمن السيبراني، لتصبح بعدها دولة رائدة على مستوى العالم، ولتوقع اتفاقيات مع مجموعة من الدول للتعاون والتطوير (דניאל، 2024).

خاتمة

تدرك إسرائيل بشكل كبير أهمية التفوق التكنولوجي والتقني لأمنها القومي، إضافة إلى أهمية التكنولوجيا المتزايدة على المستوى الاقتصادي، لكن هذا النوع من المعارك يكون ذا عبء أكبر للدول الرأسمالية. إن طبيعة الجبهة السيبرانية ترتبط بتطور الدولة والمؤسسات على المستوى التكنولوجي والاقتصادي، فكلما زاد انخراط الدولة وتطورها اقتصاديا وتكنولوجيا، أصبحت هذه الساحة ذات أهمية أعلى، فإسرائيل كدولة منخرطة في وسائل التواصل الاجتماعي العالمية، تحتمل فرصًا أكبر للتأثر من التأثير العميق في جبهتها الاجتماعية الداخلية، من دولة مثل إيران التي تحد بشكل كبير من برامج التواصل الاجتماعي، أو دولة مثل الصين التي أنشأت برامجها الخاصة الخاضعة للرقابة المباشرة من الدولة، وهذا ينطبق على الاقتصاد أيضًا، فكلما ازداد رقمنة المؤسسات للتسهيل على المستخدم، زادت احتمالات التأثر من الهجمات السيبرانية.

بنفس الوقت الذي تؤثر فيه طبيعة الدولة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي على سهولة الاستهداف السيبراني، فتظهر حالة الهجوم بإمكانات بسيطة وتكلفة بسيطة معضلة حقيقية لهذه الدول ومنها إسرائيل. إن البحث عن ثغرة في منظومة متشعبة وكبيرة ومتشابكة أسهل كثيرًا من تحصين هذه المنظومة بشكل يمنع هذا الاختراق، فالتكلفة المادية للهجوم، هي أقل تكلفة ومجهودًا من الدفاع المستمر في ظل ساحة تسودها الفوضى على مستوى الاستهداف، فالساحة السيبرانية لا تمتلك حدودًا واضحة، ولا جبهات قتال، بل هي ساحة متشابكة يمكن لأي طرف إن كان دولة أو فردًا أو تنظيمًا أو شركة من تعطيل منظمات كاملة والتأثير على العالم، وفكرة الردع في هذه الحالات تكون لصالح الطرف الأقل اندماجًا اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا وتكنولوجيًا في عصر الثورة الرقمية.

شارك:
كلمات مفتاحية:
الأكثر مشاهدة

+963 949388065

info@golan-times.com

المجلة الالكترونية

© Powered By SyrianMonster Web Service Provider - all rights reserved 2024