أكد مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة السفير قصي الضحاك أن الهجوم الإرهابي على شمال سورية لم يكن من الممكن تنفيذه دون ضوء أخضر وأمر عمليات تركي إسرائيلي مشترك، مهدت له اعتداءات إسرائيلية متكررة على الأراضي السورية.
وشدد السفير الضحاك على أن سورية التي استطاعت على مدى السنوات الماضية مواجهة الإرهاب بكل أشكاله قادرة وعازمة على اجتثاثه، وتتطلع لدعم الدول الأعضاء المؤمنة بالقانون الدولي ومبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة للجهود التي تبذلها لمكافحة الإرهاب والدفاع عن سيادتها واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها وأمن واستقرار شعبها.
وفيما يلي النص الكامل للبيان الذي ألقاه السفير الضحاك اليوم خلال الجلسة الطارئة لمجلس الأمن التي عقدت بطلب من سورية لمناقشة الهجوم الإرهابي على حلب ومحيطها:
نجتمع اليوم بعد أن شن تنظيم هيئة “تحرير الشام/ جبهة النصرة” المدرج على قائمة مجلس الأمن للتنظيمات الإرهابية مع الكيانات والمجموعات الإرهابية الأخرى المرتبطة به، والتي تضم آلاف الإرهابيين الأجانب هجوماً واسع النطاق، ومن محاور متعددة، على عدة مناطق في الشمال السوري، وخاصة محافظتي حلب وإدلب بهدف السيطرة عليهما وعلى أجزاء من الطريق الدولي “إم فايف” الذي يربط شمال سورية بجنوبها.
لقد تزامن هذا الهجوم مع تدفق للإرهابيين عبر الحدود الشمالية، وتكثيف الدعم الخارجي لهم، بما فيه العتاد الحربي والأسلحة الثقيلة والعربات وأعداد كبيرة من الطائرات المسيرة وتقانات الاتصال الحديثة، إضافة إلى تأمين خطوط الإمداد العسكري واللوجيستي، وهو ما مكن تنظيم هيئة تحرير الشام الإرهابي والكيانات المنضوية تحت إمرته من دخول أجزاء واسعة من مدينة حلب بعد مهاجمتهم العديد من القرى والبلدات الواقعة على الطريق المفضي إليها.
إن حجم ونطاق الهجوم الإرهابي الذي نفذته تلك التنظيمات يوضح بشكل لا لبس فيه الدعم الذي توفره أطراف إقليمية ودولية وجدت في الإرهاب أداة لتنفيذ سياستها الخارجية واستهداف الدولة السورية وزعزعة أمنها واستقرارها والتسبب بمعاناة أهلها.
وبطبيعة الحال، فإن هذا الهجوم الإرهابي لم يكن من الممكن تنفيذه دون ضوء أخضر وأمر عمليات تركي/ إسرائيلي مشترك، مهدت له اعتداءات إسرائيلية متكررة على الأراضي السورية، فهل تقبلون بمثل هذا الهجوم الإرهابي من قبل تنظيم مصنف على قائمة مجلس الأمن ضد أي دولة من دولكم أو أي دولة عضو في الأمم المتحدة؟
لقد روع هذا الهجوم الإرهابي المدنيين، وخاصة في مدينة حلب التي يبلغ عدد سكانها نحو 2.5 مليون نسمة، وعطل مختلف مناحي الحياة، ودفع بآلاف العائلات للتوجه نحو مناطق سيطرة الدولة السورية، في حين يواجه من بقي عالقاً داخل المدينة ظروفاً إنسانية صعبة، واعتداءات من التنظيمات الإرهابية وتنكيلاً بالأهالي وبعناصر إنفاذ القانون.
كما استهدفت اعتداءات التنظيمات الإرهابية الكفاءات العلمية، والسكن الطلابي التابع لجامعة حلب، ما أسفر عن استشهاد عدد من الطلاب وإصابة آخرين، ودفع بالبقية لمغادرة المدينة خلال فترة الاستعداد للامتحانات الجامعية، ولم تسلم المقار الدبلوماسية والقنصلية في المدينة من اعتداءات المجموعات الإرهابية.
ولم تقتصر جرائم التنظيمات الإرهابية على ما سبق، بل إنها قامت بفرض حظر تجوال على أهالي المدينة، واقتحمت السجون وهربت أعداداً كبيرة من السجناء المدانين بأحكام قضائية جنائية لنشر الفوضى وزعزعة الأمن والاستقرار، وسط مخاوف كبيرة لدى المدنيين من تكرار ممارسات التنظيمات الإرهابية القائمة على فرض أيديولوجيتها التكفيرية الإقصائية المتطرفة، وارتكاب أعمال القتل والتعذيب، والاحتجاز والإخفاء القسري وتجنيد الأطفال واضطهاد النساء والفتيات، وهي الممارسات التي خرج أهالي إدلب مراراً للتظاهر ضدها والمطالبة بإنهائها، والتي لا يمكن القبول باستمرارها أو التغاضي عنها أو تعريض أهالي مدن سورية أخرى لها.
لقد عملنا لسنوات طويلة بالشراكة مع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لإقرار صكوك واعتماد قرارات تهدف للتصدي للتهديد الذي يمثله الإرهاب بكل أشكاله ومظاهره للسلم والأمن الدوليين، وتجفيف منابع تمويله وتسليحه، ومواجهة التطرف العنيف المفضي للإرهاب وخطابات التحريض والكراهية، إلا أن تفضيل بعض الدول الاستثمار في الإرهاب حال دون تحقيق النتائج المأمولة وإطالة أمد آفة الإرهاب، أي أن المشكلة تكمن في غياب الإرادة السياسية لدى هذه الدول التي تسببت سياساتها وممارساتها العدائية الموجهة ضد بلادي بتمكين الإرهاب من إيجاد مستقر له في المناطق الخاضعة للوجود العسكري الأجنبي غير الشرعي على الأراضي السورية.
واليوم، فإن المعاناة التي يعيشها أهلنا في حلب وغيرها من المناطق السورية التي اقتحمتها التنظيمات الإرهابية تفرض علينا مجدداً إعلاء الصوت لمطالبة مجلس الأمن بإدانة الهجوم الإرهابي وإلزام الدول المشغلة للتنظيمات الإرهابية بالعدول عن سياساتها وعدم السماح بتكريس واقع إرهابي أو بإبقاء المدنيين رهينة لتلك التنظيمات، هذا هو نداء أهلنا في حلب وشمال سورية لكم.
إن الهجوم الإرهابي على شمال سورية يشكل انتهاكاً سافراً لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ذات الصلة بمكافحة الإرهاب، وكذلك لاتفاقات خفض التصعيد التي أقرها مسار أستانا الذي أكد في بيانه الختامي الأخير على استمرار الالتزام بسيادة سورية واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها، ومواصلة العمل على مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره، وهي تعهدات لم يف الضامن التركي بالتزاماته تجاهها.
إن الجمهورية العربية السورية تطالب مجلس الأمن بإدانة واضحة لا لبس فيها لهذا الهجوم الإرهابي المرتكب من قبل تنظيم مدرج على قائمة المجلس للكيانات الإرهابية، ويضم في صفوفه عشرات آلاف الإرهابيين الأجانب، وترفض بلادي كل المحاولات الرامية لتبييض صفحة هذه التنظيمات الإرهابية من خلال استخدام مسميات أخرى تضلل الرأي العام العالمي.
تحمل سورية الدول الداعمة لتنظيم “هيئة تحرير الشام” الإرهابي والكيانات المرتبطة به المسؤولية الكاملة عن هذا الهجوم وعن الآثار المترتبة عنه.
وتطالب سورية الأمم المتحدة بإلزام تلك الدول بالامتثال لمتطلبات قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بمكافحة الإرهاب وفي مقدمتها القرار 2170 الخاص بمكافحة تنظيمي داعش وجبهة النصرة الإرهابيين، والقرار 2178 الخاص بالتصدي لظاهرة المقاتلين الإرهابيين الأجانب، وإستراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب، وتشدد على وجوب إدراج الكيانات والمؤسسات الاقتصادية والمالية والتجارية والإعلامية التي توفر التمويل والإمداد وخدمات الاتصالات لتنظيم “هيئة تحرير الشام/ جبهة النصرة” والكيانات المتحالفة معه على قوائم مجلس الأمن للجزاءات.
تؤكد سورية دولة وجيشاً وشعباً على أنها ماضية في الاضطلاع بحقها السيادي وواجبها الدستوري والقانوني في محاربة التنظيمات الإرهابية بكل قوة وحزم، وأنها ستتخذ كل ما يلزم من إجراءات للدفاع عن مواطنيها والتصدي للتهديد الذي يمثله الإرهاب وتحرير أراضيها من الوجود الإرهابي وإعادة بسط سلطة الدولة وسيادة القانون على كامل التراب الوطني للجمهورية العربية السورية، فهذا حق شرعي لكل دولة وهذا لا يخدم سورية فحسب، وإنما يضمن استقرار المنطقة بأسرها وأمنها وسلامة دولها وشعوبها.
إن سورية التي استطاعت على مدى السنوات الماضية مواجهة الإرهاب بكل أشكاله قادرة وعازمة على اجتثاثه، وهي تتطلع لدعم جميع الدول الأعضاء المؤمنة بالقانون الدولي ومبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة للجهود التي تبذلها لمكافحة الإرهاب والدفاع عن سيادتها واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها وأمن واستقرار شعبها.
وبشأن ما أوردته بعض الوفود من مزاعم حول موقف سورية من العملية السياسية فإننا نشدد على أن سورية تعاملت بإيجابية مع كل الجهود التي تهدف لخير سورية ومصلحة شعبها، وانخرطت في تعاون جاد وبنّاء مع الأمم المتحدة وممثليها، واعتمدت نهج المصالحات الوطنية والتسويات المحلية واتخذت جملة واسعة من الإجراءات الرامية لإعادة الأمن والاستقرار وتحسين الأوضاع المعيشية، وتوفير الخدمات الأساسية، وخلق الظروف الملائمة لعودة اللاجئين والمهجرين، إلا أن سورية أكدت على مدى السنوات الماضية مراراً وتكراراً أن التنظيمات الإرهابية المدرجة على قائمة مجلس الأمن والكيانات والمجموعات المرتبطة بها التي اختارت نهج الإرهاب وتلطخت أيديها بدماء السوريين هي جزء من المشكلة وليست جزءاً من الحل، وأن أي اتفاقات لخفض التصعيد لا تحول ولا تعطل جهود مكافحة الإرهاب التي يكفلها القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ودستور الجمهورية العربية السورية.
ورداً على استقدام الرئاسة الأمريكية لمجلس الأمن ممثل تنظيم “الخوذ البيضاء” الإرهابي التابع لتنظيم “جبهة النصرة” الإرهابي للحديث أمام المجلس قال السفير الضحاك: لقد أخفقت الرئاسة الأمريكية في مستهل رئاستها للمجلس للشهر الجاري في احترام معايير عمل المجلس وضوابط إدارة أعماله وجلساته وتسخيره لخدمة أجنداتها ومحاولة الإساءة لدولة عضو في الأمم المتحدة، وذلك لأهداف معروفة تتجلى في مواصلة الدعم الأمريكي والاستثمار في الإرهاب الذي تواجهه سورية والمتمثل في تنظيمي “داعش” و”هيئة تحرير الشام /جبهة النصرة” الإرهابيين والتغطية عليهما والإمعان في نهجها العدائي ضد بلادي، وكذلك محاولة حرف الأنظار عن الدعم الأمريكي غير المحدود في هذا المجلس وخارجه لكيان الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه الوحشية، وهو الموقف الذي ينفي أي مصداقية للولايات المتحدة في الحديث عن قضايا حقوق الإنسان.
إننا نرفض تغييب الممثلين الحقيقيين للمجتمع المدني السوري والجمعيات الأهلية السورية، فلدينا أكثر من 1400 منظمة غير حكومية مرخصة لا تسمحون لها بالحضور إلى هذا المجلس رغم أنها تعمل بشكل دؤوب وفعلي على الأرض بالشراكة مع الحكومة السورية والأمم المتحدة والشركاء في العمل الإنساني لتحسين الأوضاع الإنسانية والمعيشية للسوريين.
إن هؤلاء هم الأقدر على وضع مجلس الأمن بصورة ما يقومون به من أعمال إنسانية، وما يواجهونه من تحديات جسيمة بشكل مهني موضوعي صادق بعيداً عن الأجندات السياسية والتضليل والأكاذيب التي استمعنا لها مراراً في هذا المجلس.
إن أبطالاً من أمثال طواقم الدفاع المدني السوري الذين يبذلون قصارى جهدهم ويخاطرون بأرواحهم لحماية السوريين والذين رأينا بطولاتهم على مدى سنوات الحرب الإرهابية على سورية وبعد الزلزال وفي مواجهة حرائق الغابات بما فيها التي حصلت مؤخراً، هم الممثلون الحقيقيون للدفاع المدني السوري وليس غيرهم، وأبطال الهلال الأحمر العربي السوري الذين فقدوا 66 شهيداً آخرهم قبل أيام عندما كان على معبر حدودي واستشهد جراء قصف إسرائيلي خلال مساعدته الوافدين من لبنان الشقيق، هؤلاء هم ممثلو المجتمع المدني وهم الأبطال الحقيقيون وكذلك الكثير من أبناء سورية المتطوعين للعمل الخيري والإنساني والذين يعملون في ظل حصار جائر تفرضه الإدارة الأمريكية وإجراءات قسرية أحادية ظالمة.
إن استقدام تنظيم مرتبط بتنظيم “جبهة النصرة” الإرهابي ويعمل في كنفها إلى قاعة المجلس هو إساءة للمجلس وللدول الأعضاء ولا يسيء لبلادي، بل يسيء للرئاسة الأمريكية لمجلس الأمن، وإذا ساوركم الشك فيما أقوله فأحيلكم لتصريح المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية الأسبق مارك تونر الذي أجاب عن أسئلة الصحفيين في الـ 27 من نيسان 2016 بأن هذه المجموعة التي دعوتموها اليوم مرتبطة بجماعات متطرفة تشكل تهديداً للولايات المتحدة، وهذا تصريح زميلكم وهو متاح في كل مكان.
كما أحيلكم للرسائل التي وجهتها بلادي والاتحاد الروسي على مدى سنوات إلى مجلسكم لتوصيف الأكاذيب التي تروج لها تلك المنظمة ورعاتها، لكن يبدو أن عداء الإدارة الأمريكية لبلادي قد يدفعها لجلب أي كان لقاعة هذا المجلس لخدمة أجنداتها.
إن الإدارة الأمريكية التي تجلب لقاعة المجلس من يحاول الإساءة للدول الأعضاء بذريعة الحق في التعبير والاستماع للمجتمع المدني هي ذاتها الإدارة التي كممت أفواه الطلبة الأمريكيين وأساتذة الجامعات الأمريكية عندما خرجوا للتظاهر والمطالبة بإعلاء القانون الدولي ووقف الإبادة والجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني ودول المنطقة، فعن أي حرية تعبير وعن أي سماع للأصوات تتحدثون.
المقالة تعبر عن رأي كاتبها